ماهى البهائية؟ والدين البهائى

logo

مقدمة   من مبادئ الدين البهائى   من تاريخ الدين البهائى   شهادة المنصفين   من آثار حضرة بهاءالله   اسئلة واجوبة   مواقع بهائية

المقدمة :

الدّين البهائيّ هو أحد الأديان السّماويّة، ويشترك معها أساسًا في الدّعوة إلى التّوحيد، ولكنّه دين مستقلّ له كتبه المقدّسة وعباداته وأحكامه كالصلاة والصوم وغيرها، ولقد دعا إليه ميرزا حسين علي النّوري، الملقب ببهاءالله. يختلف مدى انتشار الدّين البهائيّ في العالم باختلاف المجتمعات وانظمتها. ولكن ما يتميز به هو القبول العام لمبادئه وتعاليمه، فالملايين الّتي تؤمن به اليوم تمثّل مختلف الأجناس، والأعراق، والثّقافات، والطّبقات، والخلفيّات الدّينيّة. ومنهم تتألّف جامعة عالميّة موحّدة، تحظى باحترام وافر في المجالس الدّوليّة، وتشترك، بوصفها منظّمة عالميّة غير حكوميّة، في نشاطات هيئة الأمم المتّحدة ووكالاتها المتخصصّة وخصوصا فيما يتعلق بالتعليم، وحماية البيئة، ورعاية الأم والطفل، وحقوق المرأة والإنسان، وغيرها مما يخدم البشرية.
تتميّز تعاليم الدّين البهائيّ بالبساطة والوضوح، وتركّز على الجوهر، وتبعد عن الشّكليّات، وتحثّ على تحرّي الحقيقة، وتـنادي بنبذ التّقليد والأوهام، وتهتمّ بنقاء الوجدان، وتـنشد السّعادة الحقّة في السّموّ الرّوحانيّ، وتؤكّد أبديّة الرّوح الإنسانيّ، وتبشّر باستمرار تتابع الأديان، وتعلن أنّ الدّين هو سبب انتظام العالم واستقرار المجتمع، وتـنشد الحرّيّة في الامتثال لأحكام الله، وتشترط أن تكون أقوال الإنسان وأعماله مصداقًا لعقيدته ومرآة لإيمانه، وترفع إلى مقام العبادة كل عمل يؤدّيه الفرد بروح البذل والخدمة، وتعتبر الفضل في الخدمة والكمال لا في حبّ الزّينة والمال، وتدعو للصّلح والصّلاح، وتـنادي بنزع السّلاح، وتروم تأسيس الوحدة والسّلام بين الأمم، وترى إن كان حبّ الوطن من الإيمان فمن الأولى أن يكون كذلك حبّ العالم وخدمة الإنسان.
لا وجود في الدّين البهائيّ لكهنة، ولا رهبان، ولا رجال دين، ولا قدّيسين، ولا أولياء. والعبادة فيه خالية من الطّقوس والمراسيم، وتؤدّى صلاته على انفراد. وتميل أحكامه لتهذيب النّفس أكثر منها للعقاب. وتجعل أساس الطّاعة هو حبّ الله. ويعترف الدّين البهائيّ بأن الأديان السماويّة واحدة في أصلها، متّحدة في أهدافها، متكاملة في وظائفها، متّصلة في مقاصدها، جاءت جميعًا بالهدى لبني الإنسان. ولا يخالف الدّين البهائيّ في جوهره المبادئ الرّوحانيّة الخالدة الّتي أُنزلت على الأنبياء والرّسل السّابقين، وإنّما تباينت عنها قوانينه وأحكامه وفقًا لمقتضيات العصر ومتطلّبات الحضارة، وأتت بما يدعم روح الحياة في هياكل الأديان، وهيّأت ما يزيل أسباب الخلاف والشّقاق، وأتت بما يقضي على بواعث الحروب، وأظهرت ما يوفّق بين العلم والدّين، وساوت حقوق الرّجال والنّساء توطيدًا لأركان المجتمع. هذا بعض ما يقدّمه الدّين البهائيّ لإنقاذ عالم مضّطرب وحماية انسانيّة محاطةٍ بخطر الفناء، ما لم يتجدّد تفكيرها وتتطوّر أساليبها لتتمشّى مع احتياجات عصر جديد.
إنّ مبادئ وأحكام الدّين البهائيّ الّتي أعلن حضرة بهاءالله، أنّها السّبب الأعظم لنجاة البشر واتّحاد العالم، قد أثبتت قدرتها على تحقيق غاياتها في المجتمعات البهائية: فقد أدّت إلى تطوير أفكار النّاس، وتقويم سلوك الملايين من أتباعه وألّفت منهم، مع تباين أعراقهم، وثقافاتهم، وبيئاتهم، ومكاناتهم الاجتماعية، وثرواتهم، وسابق معتقداتهم، جامعة إنسانيّة لا شرقيّة ولا غربيّة متّحدة في مُثُلها ودوافعها وأهدافها، دائبة السّعي لرعاية مصالح الإنسانيّة جمعاء، بغض النّظر عن اختلاف الدّين والرّأي والتّفكير.
كما أظهرت الهيئات الإداريّة لهذا الدّين رغم حداثة عهدها أمانة ونزاهة في قيادتها، ورشدا في تدبيرها، وحنكة في تخطيطها، وتمتّعت بتأييد إتباعها؛ وسعت لحلّ مشاكل المجتمعات الّتي وجدت فيها، وجهدت في معاونة كثير من المجتمعات في مجالات التّـنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في أنحاء العالم المختلفة، وقدّمت حلولاً عمليّة للمشاكل المعضلة الّتي تواجه زماننا. إنّ هذا النّظم الإلهي المتدفّق بالثّقة والحيويّة، والقادر على مواجهة المشاكل بأنواعها، هو نظم توفّرت فيه عناصر الصّلاحية والكفاءة والنّجاح، ودلّل على قدرته على مجابهة تحدّيات هذا العصر ومشاكله. فالأديان أُمّ الحضارات ونبع الفضائل والكمالات. وتتابعها هو الّذي مهّد طريق الرّقي الفكريّ، والسموّ الخلقيّ، والتقدّم الاجتماعيّ الّذي سلكته شعوب الأرض عبر أحقاب التّاريخ. فما من حضارة خلت من هذا الجوهر الّذي أمدّها بالقدرة والحيويّة والإلهام، وقاد أهلها إلى أوج المجد ومعارج الابتكار.
إنّ المسلّمات القديمة الّتي يطرحها الدّين البهائيّ على بساط البحث من جديد، والمفاهيم الواضحة الّتي يقدّمها لمن يعنيهم دراسة الأديان على أسس جديدة، والحلول الّتي يقدّمها لإعادة تـنظيم الحياة الفرديّة والجماعيّة على السّواء، تفتح أمام المتطلّعين لغد أفضل آفاقًا فسيحة لما يمكن أن يقود العالم إلى التّعاون والوحدة والاتّفاق.
لا يمكن لمحاولة عاجلة كهذه للتّعريف بالحقائق الأساسيّة للدّين البهائيّ إلاّ أن تكتفي بموجز لبعض المبادئ الّتي تدور حولها تعاليمه وأحكامه، ونذر يسير من أحداث تاريخه، وعرض سريع لآراء بعض من عرفوه عن كثب، ومقتطفات وجيزة من نصوصه وآياته. هذا ما ستسعى لتقديمه الصّفحات التّالية، في جهد متواضع لا يكاد يفي بالغاية، ولكن الأمل معقود على أن يكون فيما تعرضه ما يحثّ القارئ على مداومة البحث بدافع المسئولية والسّعي وراء الحقيقة.

اعلى الصفحة

من مبادئ الدّين البَهَائيّ

نعني بالمبادئ تلك الأصول المستخلصة من الآيات والألواح المنزّلة في هذا الدّور الجديد، والّتي يعتبرها البهائيّون هاديًا لهم وتوجيهًا إلهيًّا يحدّد معالم الشّوط الحاليّ من المسيرة الإنسانيّة، ويجدون فيها الأساس الّذي ستشاد عليه الحضارة العالميّة المقبلة. فالمبادئ بهذا التّصوّر هي بمثابة أهداف تدور حولها وتسدّد إليها جهود وموارد وإمكانات كلّ من الأفراد والجماعات على السّواء. ويضع البهائيّون مبادئ وأحكام دينهم موضع التّنفيذ، ويركّزون جهدهم لتحقيق مضمونها في حياتهم اليوميّة، وهذا ما يميّز هذه المبادئ عن الشّعارات الجذّابة التي تزخر بها أقوال فلاسفة ومفكّري هذا العصر، دون أن نلمس لها أثرًا يذكر في الحياة العمليّة.
من المبادئ الّتي جاء بها الدّين البهائيّ مبدأ وحدة الأديان ودوام تعاقبها. وينطلق هذا المبدأ من حقيقة ما فتئت تزداد وضوحًا، وهي أن الأديان واحدة في أصلها وجوهرها وغايتها، ولكن تختلف أحكامها من رسالة إلى أخرى تبعًا لما تقتضية الحاجة في كل زمان، وفقًا لمشكلات العصر الّذي تُبعث فيه هذه الرّسالات. للبشريّة في كل طور من أطوار تقدّمها، مطالب وحاجات تتناسب مع ما بلغته من رقّي ماديّ وروحانيّ، ولا بدّ من ارتباط أوامر الدّين ونواهيه بهذه الحاجات والمطالب. فالمبادئ والتّعاليم والأحكام الّتي جاء بها الأنبياء والرّسل، كانت بالضّرورة على قدر طاقة النّاس في زمانهم وفي حدود قدرتهم على استيعابها، وإلاّ لما صلحت كأداة لتنظيم معيشتهم والنّهوض بمداركهم في مواصلة التّقدم نحو الغاية الّتي توخّاها خالقهم.
يؤمن البهائيّون إذًا بأن الحقائق الدّينيّة نسبيّة وليست مطلقة، جاءت على قدر طاقة الإنسان وإدراكه المتغيّر من عصر إلى عصر، لا على مقدار علم أو مكانة الأنبياء والمرسلين. ويؤمن البهائيّون أيضًا باتّحاد الأديان في هدفها ورسالتها، وفي طبيعتها وقداستها، وفي لزومها وضرورتها، ولا ينال من هذه الوحدة، كما رأينا، تباين أحكامها أو اختلاف مناهجها. لهذا لا يزعم البهائيّون أن دينهم أفضل الأديان أو أنّه آخرها، وإنّما يؤمنون أنّه الدّين لهذا العصر، الدّين الّذي يناسب مدارك ووجدان الإنسان في وقتنا وزماننا، والدّين الّذي يعدّ إنسان اليوم لإرساء قواعد الحضارة القادمة، وفي هذا وحده تتلخّص علّة وجوده وسبب اختلاف أحكامه عن أحكام الأديان السّابقة.
ومن مبادئ الدّين البهائي السّعي إلى الكمال الخلقي، فالغاية من ظهور الأديان هي تعليم الإنسان وتهذيبه. ما من دين حاد عن هذا الهدف الجليل الّذي ينشد تطوير الإنسان من كائن يحيا لمجرّد الحياة ذاتها، إلى مخلوق يريد الحياة لما هو أسمى منها، ويسعى فيها لما هو أعزّ من متاعها وأبقى، ألا وهو اكتساب الفضائل الإنسانيّة والتّخلّق بالصّفات الإلهيّة تقرّبًا إلى الله. والقرب إليه ليس قربًا مكانيًّا أو زمانيًّا، ولكن قرب مشابهة والتّحلّي بصفاته وأسمائه. ويفرض هذا المبدأ على البهائيّ واجبين: واجبه الأوّل السّعي الدائب للتّعرّف على ما أظهر الله من مشرق وحيه ومطلع إلهامه. وواجبه الثّاني أن يتّبع في حركته وسكونه، وفي ظاهره وباطنه ما حكم به مشرق الوحي. فالعمل بما أنزل الله هو فرع من عرفانه، ولا يتمّ العرفان إلاّ به. وليس المقصود بعرفان الإنسان لصفات الله التّصوّر الذهنيّ لمعانيها، وإنّما الاقتداء بها في قوله وعمله وفي ذلك تتمثّل العبوديّة الحقّة لله تنزّه تعالى عن كلّ وصف وشبه ومثال.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ ضرورة توافق العلم والدّين. بالعلم والدّين تميّز الإنسان على سائر المخلوقات، وفيهما يكمن سرّ سلطانه، ومنهما انبثق النّور الّذي هداه إلى حيث هو اليوم، وما زالا يمدّانه بالرّؤية نحو المستقبل. العلم والدّين سبيلان للمعرفة. فالعلم يمثل ما اكتشفه عقل الإنسان من القوانين الّتي سنّها الخالق لتسيير هذا الكون، وأداته في ذلك الاستقراء: فيبدأ بالجزئيّات ليصل إلى حكم الكلّيّات. والدّين هو ما أبلغنا الخالق من شئون هذا الكون، ونهجه في تفصيل ذلك هو الاستنتاج: استنباط حكم الجزئيّات من الكلّيّات. فكلاهما طريق صحيح إلى المعرفة، ويكمّل أحدهما الآخر، ولعلّ اختلاف الدّين عن العلم ناتج عن فساد أسلوب مِراسنا، لأنّهما وجهان لحقيقة واحدة.
طالما تعاون العلم والدّين في خلق الحضارات وحلّ ما أشكل من معضلات الحياة. فالدّين هو المصدر الأساسيّ للأخلاق والفضائل وكلّ ما يعين الإنسان في سعيه إلى الكمال الرّوحانيّ، بينما يسمح العلم للإنسان أن يلج أسرار الطّبيعة ويهديه إلى كيفيّة الاستفادة من قوانينها في النّهوض بمقوّمات حياته وتحسين ظروفها. فبهما معًا تجتمع للإنسان وسائل الرّاحة والرّخاء والرّقي مادّيًّا وروحانيًّا. هما للإنسان بمثابة جناحي الطّير، على تعادلهما يتوقّف عروجه إلى العُلى، وعلى توازنهما يقوم اطّراد فلاحه. إن مال الإنسان إلى الدّين دون العلم، سيطرت على فكره الشّعوذة والخرافات، وإن نحا إلى العلم دون الدّين، سيطرت على عقله المادّيّة، وضعف منه الضّمير. واختلافهما في الوقت الحاضر هو أحد الأسباب الرّئيسيّة للاضطراب في المجتمع الإنسانيّ، وهو اختلاف مرجعه انطلاق التّفكير العلميّ حرًّا، مع بقاء التّفكير الدّينيّ في أغلال الجمود والتّقليد.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ نبذ جميع التّعصّبات. فالتّعصّبات أفكار ومعتقدات نسلّم بصحتها ونتّخذها أساسًا لأحكامنا، مع رفض أي دليل يثبت خطأها أو غلوّها، وعلى هذا تكون التّعصّبات جهالة من مخلّفات العصبيّة القبليّة. وأكثر ما يعتمد عليه التّعصب هو التّمسك بالمألوف وخشية الجديد، لمجرد أن قبوله يتطلّب تعديلاً في القيم والمعايير الّتي نبني عليها أحكامنا. فالتّعصّب نوع من الهروب، ورفض لمواجهة الواقع.
بهذا المعنى، التّعصب أيّا كان جنسيًّا أو عنصريًّا أو سياسيًّا أو عرقيًّا أو مذهبيًّا، هو شرّ يقوّض أركان الحقّ ويفسد المعرفة، بقدر ما يدعّم قوى الظّلم ويزيد سيطرة حريّته قوى الجهل. وبقدر ما للمرء من تعصّب يضيق نطاق تفكيره وتنعدم حرّيّته في الحكم الصّحيح. ولولا هذه التعصّبات لما عرف الناس كثيرًا من الحروب والاضطهادات والانقسامات. ولا زال هذا الدّاء ينخر في هيكل المجتمع الإنسانيّ، ويسبّب الحزازات والأحقاد الّتي تفصم عرى المحبّة والوداد. إنّ البهائية بإصرارها على ضرورة القضاء على التّعصّب، إنّما تحرِّر الإنسان من نقيصة مستحكمة، وتبرز دوره في إحقاق الحقّ وأهمّية تحلّيه بخصال العدل والنّزاهة والإنصاف.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ وحدة الجنس البشريّ. الاتّحاد هدف بعيد المدى أنهجتنا سبيله الأديان منذ القدم، فوطّدت أركان الأسرة، فالقبيلة، فدولة المدينة، فالأمّة، وعملت على تطوير الإنسان من البداوة إلى الحضارة، وتوسيع نطاق مجتمعه بالتئام شعوب متنابذة في أمّة متماسكة، إعدادًا ليوم فيه يلتقي البشر جميعًا تحت لواء العدل والسّلام في ظلّ وهدي الحقّ جلّ جلاله.
حقيقةً، لم ينفرد الدّين وحده كقوّة جامعة للبشر، فقد اتّحدت أقوام كثيرة استجابة لدوافع قوميّة أو اقتصاديّة أو دفاعيّة، ولكن امتاز الاتّحاد القائم على الانتماء الدّينيّ عن غيره بطول أمده ورسوخ دعائمه في وجدان أبناء العقيدة الواحدة. وإن لم يخل، مع الأسف، تاريخ الأديان أيضًا من الانقسامات والانشقاقات الّتي استنزفت كثيرًا من الموارد البشريّة والاقتصاديّة.
الاتّحاد هدف نبيل في حدّ ذاته، ولكنّه أضحى اليوم ضرورة تستلزمها المصالح الحيويّة للإنسان. فالمشاكل الكأداء الّتي تهدّد مستقبل البشريّة مثل حماية البيئة من التّلوث المتزايد، واستغلال الموارد الطبيعيّة في العالم على نحو عادل، وإلحاح الحاجة إلى الإسراع بمشروعات التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الدّول المتخلّفة، وإبعاد شبح الحرب النّوويّة عن الأجيال القادمة، ومواجهة العنف والتّطرف اللّذين يهددان بالقضاء على الحريّات الفرديّة، كلّ هذه، وعديد من المشاكل الأخرى، يتعذر معالجتها على نحو فعّال إلاّ من خلال تعاون وثيق مخلص على الصّعيد العالميّ.
علّمنا التّاريخ، كما تعلّمنا أحداث الحاضر المريرة، أنّه لا سبيل لنزع زؤام الخصومة والضّغينة والبغضاء وبذر بذور الوئام بين الأنام، ولا سبيل لمنع القتال ونزع السّلاح ونشر لواء الصّلح والصّلاح، ولا سبيل للحدّ من الأطماع والسّيطرة والاستغلال، إلاّ بالاعتصام بتعاليم دين جديد وتشريع سماويّ تتناول أحكامه تحقيق هذه الغايات. من خلال نظام بديع يقوم على إرساء قواعد الوحدة الشّاملة لبني الإنسان.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ تحقيق التّضامن الاجتماعيّ. لقد كان وما زال العوز داء يهدّد السّعادة البشريّة والاستقرار الاجتماعيّ، ومن ثمّ توالت المحاولات للسّيطرة عليه. وإن صادف بعضها نجاحًا محدودًا، إلاّ أنّ الفقر قد طال أمده واستشرى خطره في وقتنا الحاضر، وهو أقوى عامل يعوّق جهود الإصلاح والتّنمية في أكثر المجتمعات. وقد امتدّت شروره الآن إلى العلاقات بين الدّول لتجعل منه وممّا ينجم عنه من تخلّف، أزمة حادّة عظيمة التّعقيد.
إن كانت المساواة المطلقة مستحيلة وعديمة الجدوى، فإنّ من المؤكّد أنّ لتكديس الثّروات في أيدي الأغنياء مخاطر ونكسات لا يستهان بهما. ففي تفشّي الفقر المدقع إلى جوار الغنى الفاحش مضار محقّقة تهدّد السّكينة الّتى ينشدها الجميع، وإجحاف يدعو إلى إعادة التّنظيم والتّنسيق حتّى يحصل كلّ على نصيب من ضرورات الحياة الكريمة. وإن كان تفاوت الثّروات أمرًا لا مفرّ منه، فإنّ في الاعتدال والتّوازن ما يحقّق كثيرًا من القيم والمنافع، ويتيح لكلّ فرد حظًّا من نعم الحياة. لقد أرسى حضرة بهاءالله، جلّ ذكره، هذا المبدأ على أساس دينيّ ووجدانيّ، كما أوصى بوضع تشريع يكفل المواساة والمؤازرة بين بني الإنسان، كحقّ للفقراء، بقدر ما هما واجب على الأغنياء.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ المساواة في الحقوق والواجبات بين الرّجال والنّساء. لا تفترق ملكات المرأة الرّوحانيّة وقدراتها الفكريّة والعقليّة، وهما جوهر الإنسان، عمّا أوتي الرّجل منهما. فالمرأة والرّجل سواء في كثير من الصّفات الإنسانيّة، وقد كان خَلْقُ البشر على صورة ومثال الخالق، لا فرق في ذلك بين امرأة ورجل. وليس التّماثل الكامل بين الجنسين في وظائفهما العضويّة شرطًا لتكافئهما، طالما أنّ علّة المساواة هي اشتراكهما في الخصائص الجوهريّة، لا الصّفات العرضيّة. إنّ تقديم الرّجل على المرأة في السّابق كان لأسباب اجتماعيّة وظروق بيئيّة لم يعد لهما وجود في الحياة الحاضرة. ولا دليل على أنّ الله يفرّق بين الرّجل والمرأة من حيث الإخلاص في عبوديّته والامتثال لأوامره؛ فإذا كانا متساويين في ثواب وعقاب الآخرة، فَلِمَ لا يتساويان في الحقوق والواجبات إزاء أمور الدّنيا؟
المساواة بين الجنسين هي قانون عام من قوانين الوجود، حيث لا يوجد امتياز جوهريّ لجنس على آخر، لا على مستوى الحيوان، ولا على مستوى النّبات. والظّنّ قديمًا بعدم كفاءة المرأة ليس إلاّ شبهة مرجعها الجهل وتفوّق الرّجل في قواه العضليّة.
عدم اشتراك المرأة في الماضي اشتراكًا متكافئًا مع الرّجل في شئون الحياة، لم يكن أمرًا أملته طبيعتها بقدر ما برّره نقص تعليمها وقلّة مرانها، وأعباء عائلتها، وعزوفها عن النّزال والقتال. أمّا وقد فُتحت اليوم أبواب التّعليم أمام المرأة، وأتيح لها مجال الخبرة بمساواة مع الرّجل، وتهيّأت الوسائل لإعانتها في رعاية أسرتها، وأضحى السّلام بين الدّول والشّعوب ضرورة تقتضيها المحافظة على المصالح الحيويّة للجنس البشريّ، لم يعد هناك لزوم لإبقاء امتياز الرّجل بعد زوال علّته وانقضاء دواعيه. إنّ تحقيق المساواة بين عضوي المجتمع البشريّ يتيح الاستفادة التّامة من خصائصهما المتكاملة، ويسرع بالتّقدم الاجتماعيّ والسّياسيّ، ويضاعف فرص الجنس البشريّ لبلوغ السّعادة والرّفاهيّة.
ومن مبادئ الدّين البهائيّ إيجاد نظام يحقق الشّروط الضّروريّة لاتّحاد البشر. وبناء هذا الاتّحاد يقتضي دعامة سندها العدل لا القوّة، وتقوم على التّعاون لا التّنافس، وغايتها تحقيق المصالح الجوهريّة لعموم البشر، ويكون نتاجها عصرًا يجمع بين الرّخاء والنّبوغ على نحو لم تعرفه البشريّة إلى يومنا هذا. وقد فصّل حضرة بهاءالله أُسس هذا النّظم البديع في رسائله إلى ملوك ورؤساء دول العالم في عصره، أمثال ناپليون الثّالث، والملكة ڤكتوريا، وناصر الدّين شاه، ونيقولا الأوّل، وبسمارك، وقداسة البابا بيوس التّاسع، والسّلطان عبد الحميد، فدعاهم للعمل متعاضدين على تخليص البشريّة من لعنة الحروب وتجنيبها نكبات المنافسات العقيمة. قوبل هذا النّظم العالمي آنذاك بالاستنكار لمخالفته لكلّ ما كان متعارفًا عليه في العلاقات بين الدّول. لكن أصبحت المبادئ الّتي أعلنها مألوفة، يراها الخبراء والمفكّرون اليوم من مسلّمات أيّ نظام عالميّ جاد في إعادة تنظيم العلاقات بين المجموعات البشريّة على نمط يحقّق ما أسلفنا ذكره من الغايات. ومن أركان هذا النّظم:
– نبذ الحروب كوسيلة لحلّ المشاكل والمنازعات بين الأمم، بما يستلزمه ذلك من تكوين محكمة دوليّة للنّظر فيما يطرأ من منازعات، وإعانة أطرافها للتّوصّل إلى حلول سلميّة عادلة.
– تأسيس مجلس تشريعيّ لحماية المصالح الحيويّة للبشر وسنّ قوانين لصون السّلام في العالم.
– تنظيم إشراف يمنع تكديس السّلاح بما يزيد عن حاجة الدّول لحفظ النّظام داخل حدودها.
– إنشاء قوّة دوليّة دائمة لفرض احترام القانون وردع أي أمّة عن استعمال القوّة لتنفيذ مآربها.
– إيجاد أو اختيار لغة عالميّة ثانويّة تأخذ مكانها إلى جانب اللّغات القوميّة تسهيلاً لتبادل الآراء، ونشرًا للثّقافة والمعرفة، وزيادة للتّفاهم والتّقارب بين الشّعوب.

اسئلة وأجوبة

١) أين ظهر الدّين البهائي ومتى؟
٢) بماذا يؤمن البهائيّون؟
٣) هل لدى البهائيّين كتاب مقدّس؟
٤) هل يؤمن البهائيّون بالله سبحانه وتعالى؟
٥) ما بعض التعاليم الأساسيّة للدّين البهائي؟
٦) ما علاقة الدّين البهائي بالإسلام؟
٧) كم عدد البهائيّين في العالم وأين يقيمون؟
٨) كيف ينظر الدّين البهائي لسائر الأديان الأخرى؟
٩) من يتولّى رئاسة البهائيّين؟
١٠) ما هي المناسبات والأعياد التي يحتفل بها البهائيّون؟
١١) ما هو العمل الذي تحاول الجامعة البهائية العالمية القيام به؟
١٢) كيف يمكن الانضمام إلى الدين البهائي؟
١٣) ما هي نظرة الديانة البهائية للحياة بعد الموت؟
١٤) ما هي علاقة الدين البهائي بالديانات السماوية الأخرى؟


١) أين ظهر الدّين البهائي ومتى؟   


ظهر الدّين البهائي عام ١٨٦٣ عندما أعلن حضرة بهاءالله دعوته في بغداد أوائل مدّة نفيه من إيران.

٢) بماذا يؤمن البهائيّون؟   


يؤمن البهائيّون بوحدانيّة الله، وبأنّ جميع النّاس جنسٌ واحد وأسرة واحدة، وبأن دين الله واحد، وبأنّ الأنبياء والمرسلين جاءوا من جانب إله واحد. وهم يؤمنون بأن مجيء حضرة بهاءالله قد افتتح عصر تأسيس السّلام على الأرض الّذي تنبّأ به رسل الله على مدى العصور، عصر ستبلغ الإنسانيّة فيه سنّ الرّشد الجماعي على المستوى الاجتماعي والروحي، وتعيش كعائلة متّحدة في مجتمع عالمي تسوده العدالة.

٣) هل لدى البهائيّين كتاب مقدّس؟   


الكتاب الأقدس هو أمّ الكتاب في الظّهور البهائيّ، نزّل باللّغة العربية من قلم حضرة بهاءالله وهو جوهر ولبّ الآثار البهائيّة، ويشتمل على الحدود والأحكام والنّصائح الأخلاقيّة، وأسس تشييد مؤسّسات ستعمل على إيجاد نظام عالميّ مبنيّ على مبادئ روحانيّة وأخلاقيّة. إنّه أحد آثار حضرة بهاءالله الغزيرة التي تؤلّف ما لا يقل عن مائة مجلد لو جمعت، وتمسّ مواضيع شتّى كالأحكام والمبادئ المتعلّقة بسلوك الفرد والحُكم والمجتمع، والكتابات العرفانيّة في رقيّ الأرواح ورحلتها الأبديّة نحو الله بارئها. وتُعتبر الآثار الكتابيّة المتعدّدة لحضرة الباب، وألواح حضرة عبدالبهاء وتفاسيره ورسائل حضرة شوقي أفندي وتفسيراته مصادر مقدّسة بالنّسبة للبهائيّين. وعلاوة على ذلك فإنّ البهائيّين يعترفون بالكتاب المقدّس والقرآن الكريم والكتب المقدّسة لسائر الأديان السّماويّة الأخرى على أنّها آثار مقدّسة.

٤) هل يؤمن البهائيّون بالله سبحانه وتعالى؟   


الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة المطلقة، واحد لا شريك له، خالق هذا الكون، وهو أجلّ وأعظم من أن يدركه أحد أو يتصوّره العقل البشريّ أو يحدّد بأيّ شكل من الأشكال. إنّ الأسماء المتنوّعة مثل الله، ويهوه، والرّبّ أو براهما كلّها تعود إلى نفس الوجود المقدّس المنيع. نحن نعرف الله عن طريق أنبيائه ورسله الّذين هم واسطة الفيض الكلّيّ الإلهيّ ويوفّرون التّربية والهداية الكاملة للبشرية جمعاء.

٥) ما بعض التعاليم الأساسيّة للدّين البهائي؟   


يؤمن الدّين البهائي بوحدة الألوهية ووحدة الأنبياء والمرسلين ويدعو إلى البحث عن الحقيقة ونبذ جميع أنواع التعصب والخرافات وينبّهنا إلى أنَّ الهدف الرئيسي للدّين هو ترويج الوئام والتآلف ويجب أن يكون الدين مطابقًا للعلم ويكون أساسًا لمجتمع سلميّ ومتطوّر ومنظّم. إنَّه يدعو إلى تكافؤ الفرص والحقوق والمزايا لكلا الجنسين ويؤيّد التعليم الإلزامي ويدعو لإزالة الفوارق الشّاسعة بين الفقر المدقع والغنى الفاحش ويعتبر العمل المنجز بروح الخدمة نوعًا من أنواع العبادة ويقترح تبنّي لغة عالمية إضافيّة وإيجاد المنظّمات الضّرورية لتأسيس وحماية سلام عالمي دائم.

٦) ما علاقة الدّين البهائي بالإسلام؟   


ولد حضرة بهاءالله في أسرة مسلمة ومجتمع إسلاميّ، لذا فيمكن القول بإنّ الدّين البهائي قد نشأ من الإسلام مثلما نشأت المسيحيّة من اليهوديّة، أو البوذيّة من الهندوسيّة. وعلى هذا السّياق فإنّ الدّين البهائي دين مستقل مثل هذه الأديان، وله حدوده وأحكامه وتعاليمه ومؤسّساته.

٧) كم عدد البهائيّين في العالم وأين يقيمون؟   


يزيد عدد البهائيّين في العالم عن خمسة ملايين، وينتشرون في شتّى بقاع العالم وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعدّدة. يعتبر الدين البهائي من أكثر الأديان انتشارًا بعد المسيحيّة، ويقطن البهائيّون في أكثر من ١٠٠,٠٠٠ قرية ومدينة حول العالم.

٨) كيف ينظر الدّين البهائي لسائر الأديان الأخرى؟   


يؤمن البهائيّون بأنّ جوهر الأديان واحد، وبأنّ سيدنا إبراهيم وموسى وزرادشت وبوذا وكرشنا والمسيح ومحمدًا عليهم السلام هم جميعًا رسل مبعوثون من جانب إله واحد. ومن أجل ترويج الوحدة الدّينية يوصي حضرة بهاءالله أتباعه بالأخذ بالتّسامح وترك التّعصّبات والمعاشرة مع الأديان كلّها بالرّوح والرّيحان.

٩) من يتولّى رئاسة البهائيّين؟   


دعا حضرة بهاءالله إلى تأسيس نظام يتكوّن من مؤسّسات منتخبة تعمل على المستويات المحلّيّة والمركزيّة والعالميّة. إنّ المرجع الأعلى للبهائيّين هو بيت العدل الأعظم، وهو هيئة عالمية تتكوّن من ٩ أعضاء يُنتخبون بالاقتراع السّرّي من قبل جميع أعضاء المؤسّسات المركزيّة.

١٠) ما هي المناسبات والأعياد التي يحتفل بها البهائيّون؟   


يحتفل البهائيّون سنويًّا بإحياء ١١ عيدًا ومناسبة ذكرى، ويمتنعون عن العمل في ٩ أيّام منها. تتضمّن الأعياد ومناسبات الذّكرى البهائيّة تلك الأيّام المرتبطة بحياة حضرة بهاءالله وحضرة الباب، وعيد النوروز وهو رأس السّنة البهائيّة، في ٢١ آذار/مارس. وأعظم هذه الأعياد هو عيد الرّضوان الّذي يحتفل به على مدى ١٢ يومًا من شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو تمجيدًا لذكرى إعلان حضرة بهاءالله دعوته في حديقة الرّضوان ببغداد. يتمّ الاحتفال بإحياء هذه الأعياد والمناسبات في اجتماعات عامّة تُتلى فيها الأدعية والمناجاة وتتّسم بالتّأمّل والمعاشرة بكلّ روح وريحان. يتألّف التّقويم البهائي من ١٩ شهرًا وكل شهر من ١٩ يومًا.

١١) ما هو العمل الذي تحاول الجامعة البهائية العالمية القيام به؟   


الدين البهائي دين عالمي يؤمن به اليوم ملايين من الناس يمثلون مختلف الأجناس والأعراق والثقافات والطبقات والخلفيّات الدّينيّة، يقطنون في أكثر من ١٠٠,٠٠٠ قرية ومدينة حول العالم مما يجعله على المستوى الجغرافي ثاني أكثر الأديان انتشارًا في العالم. ومن هؤلاء تتألّف الجامعة البهائية العالمية التي تسعى جاهدة لتحقيق رؤيا حضرة بهاءالله، مؤسس الدين البهائي، باتحاد الجنس البشري.
إنَّ مبدأ وحدة الجنس البشري هو المحور الذي تدور حوله جميع تعاليم حضرة بهاءالله. إن هذه الوحدة ليست مجرد أمل زائف من آمال الجامعة البهائية العالمية. فالبهائيون يعملون على تحقيق هذا المبدأ من خلال مساهمتهم الفاعلة في إصلاح العالم وتقدّم المدنيّة. إن الجامعة البهائية تجسد نموذجًا حيًّا لوحدة الجنس البشري، فبالرغم من أنها تضم أناسًا ينتمون إلى العديد من الأصول والثقافات والطبقات، إلا أنها تمثل قدرة البشر على الاتحاد والاتفاق رغم تنوعهم وتعددهم. إن الإيمان بوحدة الجنس البشري يقي البهائيين من الانجراف في تيار الصراعات السياسية التي تؤدي إلى التفرقة، ويوجه جهودهم نحو عمليّة بناء هذه الوحدة.
ومن أبرز مبادئ الدين البهائي الوحدة الكامنة وراء جميع الأديان، والتحري عن الحقيقة تحريًا مستقلا دون تقيد بالخرافات ولا بالتقاليد، والتبرّؤ من كل ألوان التعصب الجنسي والديني والطبقي والقومي، والوئام الذي يجب أن يسود بين الدين والعلم، والمساواة بين الرجل والمرأة فهما الجناحان اللذان يعلو بهما طائر الجنس البشري، ووجوب التعليم الإجباري، والاتفاق على لغة عالمية إضافية، والقضاء على الغنى الفاحش والفقر المدقع، وتأسيس محكمة عالمية لفضّ النزاع بين الأمم، والسمو بالعمل الذي يقوم به صاحبه بروح الخدمة إلى منزلة العبادة، وتمجيد العدل على أنه المبدأ المسيطر على المجتمع الإنساني، والثناء على الدين كحصن لحماية كل الشعوب والأمم، وإقرار السلام الدائم العام كأسمى هدف للبشرية.
والبهائيون يسعون لتطبيق هذه المبادئ على مستوى القاعدة فقاموا بإعداد برامج للتقوية الروحانية والأخلاقية موجّهة نحو فئات عمريّة مختلفة، فيقدّمون للأطفال دروسًا تنمّي مواهبهم وقدراتهم الروحانية وتغرس في نفوسهم الأخلاق الحميدة النبيلة التي سيشبّون عليها، ويوفرون برامج لصغار الشباب لمساعدتهم على تشكيل هوية خلقية قوية في بواكير سنوات المراهقة وتعزيز قدراتهم للمساهمة في خير مجتمعاتهم وصلاحها. ويسعى البهائيون جاهدين لتأسيس روابط صداقة لا تقيم وزنًا للحواجز الاجتماعية السائدة، ويجمعون القلوب في محبة الله.
وفي مساعيهم لخدمة المجتمع الإنساني تطبيقا لبيان حضرة بهاءالله الذي يأمرهم بأن “لا تحصروا أفكاركم في أموركم الخاصة بل فكروا في إصلاح العالم وتهذيب الأمم”، تنهمك الجامعات البهائيّة في سائر أرجاء العالم في نشاطات تساعد في تحقيق الأهداف الإنسانيّة والاجتماعية والاقتصادية وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر: تعزيز المشاركة في مبادرات التنمية المستدامة على مستوى القاعدة الشعبية، وتقدم المرأة، وتعليم الأطفال، والقضاء على المخدرات، ونبذ التمييز العرقي، وترويج تعليم حقوق الإنسان، وترويج الوسائل العادلة لإيجاد الرخاء العالمي. هنالك أكثر من ١٦٠٠ مشروع يُدار من قبل الجامعات البهائيّة في شتى أرجاء العالم، من بينها حوالي ٣٠٠ مدرسة يملكها أو يديرها بهائيون، بالإضافة إلى٤٠٠ مدرسة قروية تقريبًا.
تحظى الجامعة البهائية العالمية باحترام وافر في المجالس الدّوليّة، وتضمّ في عضويتها البهائيّين في جميع أنحاء العالم وتمثلهم في آن معًا، ولها تاريخ حافل بالعمل مع منظمة الأمم المتحدة يتجاوز الستين عاما، وهي مسجلة مع الأمم المتحدة كمنظمة عالمية غير حكوميّة ولها فروع في أكثر من ٢٠٠ دولة، وتتمتع بمركز استشاري خاص مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، ومع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم). كما تعمل عن قرب مع منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومفوضية حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
إن البهائيين في شتى بقاع الأرض يستمدون إلهامهم من رسالة إلهية، عاكفون على خدمة البشرية، توحِّدهم نظرة مشتركة تسمو بهم إلى معايير أخلاقية عالية، ونظرة عالمية عصرية، وملتزمون ومنخرطون بخدمة مجتمعهم المحلي ويسهمون في بناء الحضارة العالمية وتقدّمها بعيدًا عن الصراعات السياسية أو الحزبية.

١٢) كيف يمكن الانضمام إلى الدين البهائي؟   


لا يوجد أي طقوس أو مراسم خاصة للدخول في الدين البهائي. إن الإيمان محلّه القلب وكل من يشارك البهائيين إيمانهم بأن هداية الله للبشر مستمرة وأن تتابع الرسل هو أمر لا بد منه لاستمرار تدفق الهداية الإلهية؛ كل من يؤمن بأن دين الله واحد وهو ينمو ويتطور ويتكامل مع تطور البشرية ونموها وأنه بتغير مقتضيات الزمان والمكان، لا بد للتعاليم الإلهية أن تتغير لتناسب مستوى التقدم الفكري والحضاري للبشرية؛ كل من يؤمن بأن الرسل جميعًا هم كالمرايا الكاملة الصفاء التي تعكس لنا النور الإلهي نفسه وأنهم حلقات في سلسلة متصلة لا نهاية لها من الهداية الإلهية، وأن حضرة بهاءالله هو أحدث رسل الله في هذه السلسلة وأن الدين البهائي هو المرحلة المعاصرة من تكشف الوحي الإلهي وتعاقب الأديان، فهو يعد بهائيًا.
والإيمان هو أمر حيوي، وينمو مع نموّ الإنسان، يتفضل حضرة بهاءالله: “الكلمة الإلهية بمثابة غرسة، مقرها ومستقرها أفئدة العباد، ويجب تعهدها بكوثر الحكمة والبيان، حتى تثبت جذورها وتمتد فروعها إلى الأفلاك”.
وعن طريق الصلاة والدعاء وقراءة الكلمات الإلهية والعمل بما جاء بها في حياتنا اليومية، ينمو إيماننا، فهو تماماً كالبذرة تنمو تدريجيّاً، ففي صلاتنا ودعائنا نتوسل إلى الله تعالى أن يؤيدنا على السلوك على طريق الهداية.
والإيمان بحاجة إلى أن يُعبّر عنه بالأعمال، وهنا يأتي أهمية عمل كل بهائي على تأسيس وحدة العالم الإنساني، الهدف الرئيسي من الدين البهائي، وعدم اليأس من الحالة السلبية التي وصلت لها البشرية اليوم. فوحدة العالم الإنساني مع أنه كلام جميل إلاّ أن تحقيقه ليست مهمة سهلة، لذا يرحب البهائيون بكل من يريد أن ينضم إليهم في مساعيهم لبناء الوحدة والحفاظ عليها.
ففي حياتنا كأفراد بهائيين يجب أن نجهد لتكون حياتنا مطابقة لتعاليم حضرة بهاءالله وأن تتماشى أفكارنا وأعمالنا مع إيماننا بوحدة الجنس البشري. فإذا وردت فكرة من الحرب في أذهاننا نستبدلها فوراً بفكرة من السِّلم. وعندما يبدأ شعورٌ من الكراهية بالتشكل في قلوبنا نستبدله فوراً بإحساس من المحبة. علينا أن نفعل كل ما في وسعنا للتغلب على تعصباتنا. التعصبات المتعلقة بالعِرق، واللون، والمواطنة، والثقافة، والدين، والجنس هي كلها من أكبر العوائق التي تقف في سبيل بناء عالم أفضل.
وفي مجتمعاتنا المحلية نسعى لكي نطبّق ما نؤمن به فعليّاً على أرض الواقع لنشر بذور المحبة والسلام لجميع من حولنا. فالبهائيون في كل بلد يعيشون فيه منهمكون في خدمة مجتمعاتهم المحلية لبناء عالم أفضل بدءًا من مستوى القاعدة، فتلبية للتوق الدفين في أعماق كل قلب للوصال مع خالقه يفتحون أبواب بيوتهم لكلّ من حولهم، ومن مختلف الديانات السماوية والمعتقدات، لكي يأتوا في مكان واحد ويقوموا بالدّعاء لربّ واحد؛ وفي وعيهم لتطلّعات أطفال العالم ومطامحهم واحتياجاتهم للتربية الروحانيّة يقدّمون للأطفال دروسًا تنمّي مواهبهم وقدراتهم الروحانية وتغرس في نفوسهم الأخلاق الحميدة النبيلة التي سيشبّون عليها؛ ولصغار الشباب يوفرون برامج تساعدتهم على تشكيل هوية خلقية قوية في بواكير سنوات المراهقة وتعزيز قدراتهم للمساهمة في خير مجتمعاتهم وصلاحها؛ ولكسب البصيرة الروحانية والمهارات اللازمة للقيام على خدمة الآخرين يشاركون في دراسة منهجية ومنظمة للآيات الإلهية؛ وأخيرًا يسعون جاهدين لتأسيس روابط صداقة لا تقيم وزنًا للحواجز الاجتماعية السائدة، ويجمعون القلوب في محبة الله.

١٣) ما هي نظرة الديانة البهائية للحياة بعد الموت؟   


يعلّمنا حضرة بهاءالله أنّ الحياة ليست عبارة عن مجموعة من الأحداث والفرص التي تقع في هذا العالم، وبأن مغزاها الحقيقي يكمن في حياة الرّوح، والتي تبدأ في هذا العالم لفترة قصيرة، وتستمر إلى الأبد في العوالم الإلهية بعد الممات.
الدين البهائي يعلّمنا أن الإنسان كائن مخلوق من جسد وروح. الروح مصدرها من العوالم الإلهيّة الروحانية، وبداية حياة المرء هي عندما يرتبط الروح القادم من هذه العوالم الإلهية مع الجنين لحظة تكوينه. هذه الرابطة بين الجسد والروح تزول بنهاية حياتنا الأرضية، وعندها يعود الجسد إلى مصدره، وهو عالم التراب، وتعود الروح إلى مصدرها ومنشأها وهو العالم الروحاني الإلهي. وحيث أن الروح قد انبعث من العوالم الروحانية وخلق على صورة الله ومثاله ولديه استعداد وقابلية لاكتساب الفضائل الملكوتية والصفات الربانية، فبعد مفارقته الجسد يتقدم ويترقى إلى الأبد.
يرى البهائيون أن السبب من وجودنا هو عرفان الله وعبادته. والمقصود بعرفان الله هنا هو عرفان تعاليم الله وأحكامه، ومن ثم عبادته باتباع هذه التعاليم والأحكام. وبذلك تكون الغاية من حياتنا على هذه الأرض هي بناء قدراتنا الروحية، والعمل على ترقية الروح بعبادة الله وإطاعة أحكامه وخدمة الإنسانية جمعاء.
نقرأ في الكتابات البهائية “الإنسان في بدء حياته كان في عالم الرحم، وفي عالم الرحم حصل على الاستعداد والقابلية للارتقاء في هذا العالم. أي أنه حصل في عالم الرحم على القوى التي يحتاج إليها في هذا العالم. ففي عالم الرحم حصل على العين التي يحتاجها في هذا العالم، وفي عالم الرحم حصل على الأذن التي يحتاج إليها في هذا العالم…إذاً فكذلك يجب عليه أن يهيئ لنفسه في هذا العالم ما يحتاج إليه في العالم الآخر. وكل ما يحتاج إليه في عالم الملكوت يجب أن يهيّئه في هذا العالم. فكما حصل في عالم الرحم على جميع القوى التي يحتاج إليها في هذا العالم، فكذلك يجب عليه أن يحصل في هذا العالم على كل ما يحتاج إليه في عالم الملكوت، أي جميع القوى الملكوتية.”
وبعد صعود الروح إلى بارئها وخالقها فإنها تحاسب بما عملت، فالروح التي انشغلت في عبادة الله وإطاعة أحكامه، فهي بلا شك تتمتّع بالقوى الملكوتية التي تحتاجها في العالم الإلهي، والتي تساعد الروح على الحضور في حرم قدس السبحان، والبقاء بالقرب من الله تعالى، رب العزة. وهذا الموضع، وهو القرب من الله تعالى، وهو خالق الروح، والذي فطرت الروح على محبته سبحانه، هو بمثابة الجنة لهذه الروح. فأي نعيم أفضل للحبيب من أن يكون بالقرب من محبوبه، وفي محضره.
والروح التي لم يقم صاحبها بالعمل على تقوية ملكاتها الروحانية في حياته، وانشغل صاحبها بإشباع غزائزه وشهواته، تكون فاقدة للقوى التي تحتاجها في العالم الملكوتي، وتصبح عاجزة عن الصعود للبقاء بقرب الله تعالى. وأي عذاب وضيق أشد من أن يكون الحبيب بعيد عن محبوبه، ومحروم من الاستئناس مع أحباء الله.
وهنا تأتي أهمية الإيمان برسل الله الذين ينقلون لنا إرداته وتعاليمه وأحكامه في كل زمان حسب مقتضيات العصر، والتي بطاعتها نتمكن من بناء القوى الملكوتية التي يحتاجها الإنسان في العالم الملكوتي.
يؤمن البهائيون أن حضرة بهاءالله، رسول الله لهذا العصر، أنزل أحكامًا وتعاليم وهي في توافق تام مع أحكام وتعاليم الله التي أنزلت على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والتي بنورها، ترقّت الإنسانية جمعاء ونشأت حضارة إنسانية روحانية لم يعرفها التاريخ من قبل، ولكنها تتناسب وظروف الإنسانية لهذا اليوم. ويحاول البهائيون باتباع هذه التعاليم بناء القوى الملكوتية التي تحتاجها الروح في العالم الآخر.
ويتفضل حضرة بها ءالله عن حياة الروح: “طوبى لروح خرج عن البدن، مقدساً عن شبهات الأمم، إنه يتحرك في هواء ربه، ويدخل في الجنة العليا، وتطوفه طلعات الفردوس الأعلى، ويعاشر أنبياء الله وأوليائه، ويتكلم معهم ويقص عليهم ما ورد عليه في سبيل الله رب العالمين.”

١٤) ما هي علاقة الدين البهائي بالديانات السماوية الأخرى؟   


يؤمن البهائيون أن الله عز وجل قد أخذ عهدًا مع الإنسانيّة بأن لا يتركها أبدًا دون هداية. بل من حين لآخر يرسل لها رسولاً يهديها إلى الصراط المستقيم عن طريق أحكام وتعاليم إلهية، إذا اتبعتها البشرية كان لها فيها الخلاص، وحصل التّقدّم والتّرقّي المادّي والرّوحاني. وواجب الإنسانية في هذا العهد، هو أن تتعرّف على الرّسل والأنبياء وتدرك حقيقة دعوتهم، وتتّبع أحكام الله وتعاليمه.
ويشير البهائيون إلى جميع الأنبياء والرسل الذين ظهروا للبشرية باسم المظاهر الإلهية. وكلمة مظهر تأتي من إظهار شيء لم يكن ظاهرًا من قبل. والأنبياء والرسل هم الّذين يظهرون لنا إرادة الله وتعاليمه التي تكون مخفية عنا. ولقد أعطانا حضرة بهاءالله مثالاً بسيطاً يوضح لنا مفهوم المظاهر الإلهية وهو مثال الشمس والمرآة.
فالشمس هي مصدر النور والدفء لهذه الأرض، وبدونها الحياة مستحيلة. ولكن لو نزلت هذه الشمس من علوّها إلى الأرض لكان مصيرنا الحرق والهلاك. وهنا إذا أخذنا مرآة صافية مصقولة ووجّهناها إلى الشمس، لوجدنا صورة الشمس مطبوعة واضحة في المرآة. نحن هنا لا ندّعي أن الشّمس قد نزلت من علوّها وحلّت في المرآة، ولكن صورتها انطبعت في المرآة، وأصبحت المرآة تعكس نفس نور الشمس.
والمظاهر الإلهية، أو الرسل والأنبياء، هم بمثابة المرايا الّتي تعكس تعاليم الله وأحكامه إلى البشرية. نحن بالتّأكيد لا ندّعي بأن الله تعالى قد حلّ في جسد أيّ من الأنبياء والرسل، ولكن نقول أنّهم كانوا قادرين على عكس تعاليم الله وأحكامه، تماماً كما عكست المرآة نور الشمس من دون أن تحلّ الشمس في المرآة.
وبالتّالي إذا نظرنا إلى أنبياء الله ورسله المختلفين، كموسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام، وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وحضرة بهاءالله، فإنّنا نقول أنّهم جميعاً بمثابة مرايا قد عكست النور الإلهي نفسه. ولكن باختلاف مقتضيات الزمان والمكان جاؤوا بتعاليم اجتماعية تتوافق مع الزمان الذي أرسلوا فيه، ولكن أساس الأديان جيمعها واحد.
إذا نحن كبهائيّون نؤمن بأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وسيدنا عيسى عليه السلام، وسيدنا موسى عليه السلام، وما سبقهم من رسل، هم مرسلين من عند الله، وأتوا بتعاليم وأحكام إلهية كانت بمثابة نور هداية للإنسانية، وسببًا لحصول تقدّم روحي ومادي للبشرية جمعاء.
ولكن بتقدّم الزمن، ابتعدت الناس عن تعاليم الله وأحكامه، ونسيت روح وأصل الدين، ونسيت البشرية الغاية من خلقها، وأصبح الجميع تائه في ظلام الأوهام. هنا لا بد من هداية إلهية للبشرية، ووحدها القدرة الإلهية باستطاعتها أن تخرجنا من هذا المأزق، وهنا تأتي الحاجة إلى مظهر إلهي جديد في هذا العصر.

إنّ هذا الموقع يُدار من قِبَل فرد بهائيّ، وهو لا يمثّل المركز البهائي العالمي على الانترنت